– سُبل جمع حبوب اللقاح وصنع خبز النحل :
حبوب اللقاح هي المادة الذكرية في النبات تحتاج اليها البويضات الأنثوية للإخصاب. تحتوي على بروتينات ودهون وسكريات وفيتامينات وأملاح معدنية ومواد اخرى. وتؤثر القيمة الغذائية لمحتوياتها – ومنها الزيوت الطيارة – في جذب النحل اليها، وهذا يفسر بعضاً من سرّ إقبال النحل على أنواع من الأزهار وإهمالها أنواعاً اخرى.
تستطيع الطائفة أن تعيش بالعسل فترة من الوقت ولكنها لا تستطيع مواصلة الحياة بلا حبوب لقاح ؛ المادة الغذائية الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، ولِما لها من تأثير مباشر في كافة العمليات الحيوية ؛ من نمو اليرقات ونمو الغدد تحت البلعومية وغدد الشمع والأجسام الدهنية. وحرمان الطائفة من حبوب اللقاح يؤدي الى عجز الشغالات عن مدً الملكة بالغذاء الملكي، وعدم قدرتها على تكوين السم، وإصابة قسم منها ببعض أنواع الشلل وموت عدد كبير منها.
قبل خروج الشغالات جامعات حبوب اللقاح الى الحقل تضع كل واحدة منها كمية صغيرة من العسل في حوصلتها، وحين وصولها الى الزهرة تنتزع بمهارة حبوب اللقاح من أسدية الزهرة باستخدام أرجلها وفكوكها المبللة بالعسل،. وفي أثناء طيرانها الى زهرة ثانية تحرك أرجلها أسفل بطنها، تجمع بواسطة أمشاطٍ دقيقة حبوبَ
اللقاح المنتشرة في أرجلها الخلفية وشعيرات جسمها على شكل كتل صغيرة. وبآليات معينة يطول ذكرها تدفع حبوب اللقاح كتلة بعد اخرى في السلة حتى تمتلىء بالكامل. وعند العودة الى الخلية تضع حمولتها في النخاريب القريبة من الحضنة، ثم تأخذ قليلا ً من العسل وتنطلق الى الحقل مرة اخرى.
وتدفع شغالة منزلية كتلتي حبوب اللقاح في عمق النخروب برأسها وفكوكها المغلقة، تفتتها وتضيف اليها شيئاً من العسل وبعضاً من فروزها الفكية ؛ لترطيبها وتسهيل تماسكها ومنع تعفنها وإنباتها. تجعلها على هيئة أقراص بعضها فوق بعض يُطلق عليها ( خبز النحل )، لا يمتلىء النخروب بها حتى حافاته ولا تختم بغطاء مثلما يُفعل بالعسل. تشاهد في الربيع تملأ اُطراً بكاملها، تلوّنها درجات من اللون الأبيض والأصفر والبرتقالي والأحمر والبنفسجي والأزرق والأخضر.
يُقدر عدد الشغالات التي تجمع حبوب اللقاح بـ ( 25 % ) من عدد الشغالات الحقلية، ومتوسط عدد الرحلات اليومية لكل شغالة ( 10 ) رحلات، تزور في كل رحلة ( 50 – 350 ) زهرة، تجمع منها حمولة يتراوح وزنها بين ( 9 – 29) ملغم، تضع في كل نخروب ( 18 ) حمولة.
وعندما تزور الشغالة الحقلية أزهاراً تحتوي على حبوب لقاح ورحيق تجمع من كلا العنصرين ما تستطيع حمله من كميات صغيرة.
– سُبل جمع الماء واستعماله :
الماء ضروري لإستمرار الحياة في الكائنات الحية، ومن المعروف أن العمليات الحيوية داخل الجسم لا تتم إلا في وسط مائي مثل التمثيل الغذائي والفرز. والنحلة مثل سائر الأحياء لا يمكنها الإستغناء عن الماء. ولها في قرون الإستشعار حاسة اُعدّت لتمييز الماء، وإدراك وجوده عند تعرّضها لبخاره، وتعرّفِ ما يحصل من تغيّرات في بخار الماء الموجود في الجوّ، فاذا ما أحست بأن نسبة الرطوبة بلغت حداً ينذرها بقرب وقوع المطر لجأت مسرعة الى خلاياها.
تنطلق الشغالات جامعات الماء الى مصادره المختلفة، تجمعه من الندى المنثورعلى الأزهار والأوراق، ومن المجاري الطبيعية النظيفة، ومن الأحواض الخاصة والأمكنة الرطبة. وعندما يكون المصدر حوضاً تقف مجموعة من الشغالات على حافته الدائرية، يصطف بعضها بجانب بعض بنظام وهدوء، تملأ بطونها منه حتى تبدو شفافة في أشعة الشمس. وفي الخلية تعطيه الى مجموعة من الشغالات المنزلية يُطلق عليها ( خازنات الماء )، تنتفخ بطونها بالماء المخزون فيها، وكلما ازداد ورود الماء على الخلية كثر عدد الشغالات ذوات البطون المنتفخة ؛ التي تقف هادئة قرب مناطق تربية اليرقات ؛ تمدّ العِطاش بحاجتهم من الماء، وكلما هبطت بطونها اُعيد ملء هذه الخزانات الحية بالماء من جديد.
تستغرق الرحلة الواحدة لجمع الماء قرابة ( 3 ) دقائق، ويمكن للشغالة جامعة الماء أن تقوم ب ( 50 ) رحلة يومياً، تنقل الى الخلية في أثنائها ( 1250 ) ملغم من الماء ؛ بمتوسط ( 25 ) ملغم للحمولة الواحدة، توزعها بين حوالي ست شغالات خازنات، ثم تنطلق الى المصدر ثانية.
تنقل الطائفة الماء في الشتاء ؛ تخزنه قطراتٍ في قاعدة الخلية وفي تجاويف شمعية ؛ للأوقات التي لا تسمح فيها الظروف الجوية بمغادرة الخلية ؛ مثل البرد الشديد والرياح العالية والأمطار المتصلة. تستخدمه في مدّ الشغالات بما تحتاج اليه فعالياتها الحيوية.
وتستخدم الشغالات الماء في الربيع لتخفيف قوام العسل المركز وتقديمه طعاماً لليرقات، ولتسهيل نقله من النخاريب المجاورة للحضنة توسيعاً لمساحتها ووضع البيض فيها. ويقلّ نقل الماء كلما يزداد جمع الرحيق.
وفي حرارة الصيف وجفافه يُنقل الماء الى الخلية بكميات كبيرة، وقد يُخزن فوق الاُطر وفي بعض التجاويف الشمعية، يُستخدم في إشاعة قدر من الرطوبة داخل الخلية يمنع جفاف اليرقات وغذائها، وفي ضبط درجة الحرارة بطريقة التهوية. يتم ذلك بنثر الماء على أجزاء من داخل الخلية، و وقوف عدد من الشغالات أمام المدخل وفي الداخل تحرّك أجنحتها حركة سريعة تحدث تياراً هوائياً ؛ يجدد الهواء ويلطف جوّ الخلية ويثبّت درجة الحرارة فيها فيما بين ( 32 -34 ) درجة مئوية.
– سُبل جمع العِكبِر واستخدامه :
يُُطلق على هذه المادة عدة أسماء.. صمغ النحل وغِراء النحل والعلك والعِكْبِر. وهي مادة صمغية راتنجية مختلفة القوام والألوان، تفرزها النباتات من مواضع الجروح فيها ومن حول البراعم الجديدة، لغرض الوقاية من البلل، ومن الهجوم المحتمل للبكتريا والخمائر والفطريات والحشرات وغيرها من الآفات.
يحتوي العكبر على مواد حمضية وراتنجية وشموع وزيوت عطرية وحبوب لقاح، إضافة الى إحتوائه على فيتامينات وكحولات وبروتينات وعدد من عناصر معدنية.
يرتبط جمع العكبر بقوة الطائفة ودرجة الحرارة ونشاط النباتات في فرز الصموغ. تجمعه الشغالات في شكل كتل صغيرة، تنقلها الى الخلية في سلال حبوب اللقاح. يستغرق جمعها وإفراغها وقتاً طويلاً. تقف الشغالة محملة بها هادئة ساكنة قرب مكان الحاجة اليها، لا تحاول إفراغها بنفسها، بل تنتظر أن يفعل ذلك غيرها من الشغالات المتخصصات. يستغرق إفراغها بأجزاء صغيرة ما بين ساعة الى يومين، تمضغها الشغالة المتخصصة وتضيف اليها بعض فروزها الفكية ؛ تساعد على تطريتها، ثم تضعها في المكان المناسب.
تُكثِر الشغالات من جمع العكبر في الخريف ؛ لتتمكن من تشتية مساكنها قبل انخفاض درجات الحرارة في الشتاء. تستخدمها في لصق أجزاء الخلية وتثبيتها، وفي سدّ الثقوب وملء الشقوق والتحكم في تضييق فتحة المدخل؛ للحيلولة دون سروب الهواء البارد في الخلية، وتستخدمه أيضاً في تقوية الأقراص الشمعية، وصقل النخاريب قبل استعمالها ؛ للقضاء على ما يمكن أن يكون فيها من بكتريا وفطريات، فضلاً عن استخدامه في تغطية ما ينفذ في الخلية من حيوانات صغيرة ؛ تقتلها ولا تستطيع إخراجها، فتمنع بتغطيتها تحللها وتعفنها داخل الخلية.
– سُبل الدفاع عن الخلية وحماية الطائفة :
النحلة حشرة مستهدفة في نفسها وفي نِتاجها، يتربّص بها عدد لا يُستهان به من أعداء طبيعية من طيور وحشرات، وهناك من يسعى الى الحصول على عسلها من إنسان وحيوان وحشرات ونحل سارقة. وقد اُعدّت إعداداً جيداً لتحمي نفسها ونوعها من فتك الأعداء، وتدافع عن عسلها وطائفتها بسلوك سبيلين ؛ أحدهما اللسع بالسم والثاني الدفاع بالحرارة.
اللسع بالسم :
في بطن النحلة غدد تفرز السم، يتجمع في كيس خاص به، ثم يُحقن وقت الحاجة اليه بغرس إبرة اللسع في جسم العدو. يُستخدم اللسع ضدّ الإنسان الذي يستفزها، والحيوان الذي يهاجمها، والنحلة الغريبة التي تسرق عسلها. وتخسر النحلة نفسها في معركتها ضدّ الإنسان والحيوان ؛ لعجزها عن إسترداد إبرتها المسننة تسنيناً عكسياً بعد غرسها في جسم العدو. يؤدي انفصالها من جسمها مع جهاز اللسع وجزء من أحشائها الى حدوث نزيف يقضي عليها في خلال ساعة او ساعتين.. بينما يمكنها أن تسترد إبرتها بسهولة في صراعها ضدّ نحلة سارقة اذا عاجلتها بها.. ثم تكرر غرسها في سارقة اخرى.
وتشكل بعض الطوائف وبخاصة الضعيفة منها هدفاً سهل المنال للنحل السارقة، إن لم تُحكم الحراسة بالنحل الفتية على مدخل الخلية. وحين قيام السرقة تطلق النحل الحارسة رائحة إنذار من غدد في الفك العلوي وفي حجرة اللسع، تنبه أفراد الطائفة على وقوع خطر على الخلية فتستعد للدفاع عنها.. وتقاتل الشغالات النحلَ المعتدية َ، تعرفها من رائحتها الغريبة ومن طريقة طيرانها وهجومها على الخلية. وتشتبك النحل المصطرعة إثنتين إثنتين، متقابلتين توجّه كل منهما إبرتها لغرسها في الاخرى، وتنتصر مَن تفعلها أولاً. وتنسحب النحل المهاجمة حين تجد في النحل المدافعة قوة واستماتة.. او تنفذ في الخلية غير المُحصّنة ذات الثغرات تقضي على أغلب أفرادها وتنقل كامل عسلها. وفي الأغلب تشارك أكثر من طائفة في الهجوم على النحل المغلوبة ونهب عسلها.
الدفاع الحراري :
وتسلك النحل في دفاعها ضدّ الزنابير البنية وذئاب النحل طريق ما يُعرف بـ ( الدفاع الحراري ). إن من المعروف أن أقصى ما يمكن أن تتحمله النحلة من درجة حرارة هو ( 49 ) مْ وتهلك اذا تجاوزتها. وأن أقصى ما يمكن أن يتحمله الزنبور البني من درجة حرارة هو ( 45 ) مْ ويهلك اذا تجاوزها. وحين ينفذ زنبور بني داخل خلية ليسرق عسلاً او يخطف نحلة تتكاثر علية الشغالات، يُمسك بعضها بأجنحته وبأرجله، تشلّ حركته وتمنعه من الهرب، وتتزاحم عليه شغالات اخرى تذبذب أجنحتها بحركة سريعة تبلغ ( 11400 ) ذبذبة في الدقيقة ترفع بها درجة حرارته الى ( 47 ) مْ، أقلّ بدرجتين من الحرارة التي تؤذي بها نفسها فتسلم، وأكثر بدرجتين من الحرارة التي لا يتحمّلها الزنبور البني فيهلك.. ويتكرر المشهد نفسه مع حشرة ذئب النحل عندما يقترب من لوح الطيران أمام مدخل الخلية، يحاول أن ينقضّ على شغالة يريد خطفها ؛ فتتناوله الشغالات وتتكاثر عليه، وتكرر معه ما فعلت بالزنبور البني فيلقى المصير نفسه.
– سبل إستخدام الروائح ( الفيرومونات ) :
الرائحة أو الفيرومون ( Pheromone ) مواد كيمياوية تنطلق خارجياً من غدد في جسم النحلة، تحمل رسائل معينة الى الأفراد التابعة الى النوع نفسه، تستقبلها النهايات العصبية الحساسة في نقر الشم المنتشرة بين الشعيرات في قرون استشعار أفراد الطائفة فتستجيب لها وتؤدي وظائف محددة. تختلف الروائح التي تفرزها الملكة عن الروائح التي تفرزها الشغالة، ولكل منها وظائف خاصة بها.
منظر رائع لملكة النحل وحولها الشغلات روائح الملكة :تفرز الملكة من غددها الفكية ( مادة ملكية ) تحتوي على عدد من الفيرومونات، وتفرز من غدد اخرى عدداً آخر منها تؤثر جميعها في تنظيم حياة الطائفة واستقرارها. ويتضح دورها الفعال في عصبية سلوك الشغالات وبناء بيوت ملكية عند غياب الملكة واختفاء آثارها من الخلية. من هذه الروائح او الفيرومونات : – الرائحة الرابطة : 9 – hydroxy – trans – 2 – decenoic acid تعمل الرائحة على ربط الشغالات بعضها ببعض داخل الخلية، وعلى تجميع الشغالات حول الملكة في أثناء طيران التطريد، ويؤدي تداولها بين أفراد الطائفة الى الشعور الدائم بوجود الملكة. – الرائحة المانعة : 9 – keto – trans -2 – decenoic acid تمنع هذه الرائحة تطور مبايض الشغالات وتحوّلَها الى اُمهات كاذبة تضع بيضاً غير ملقح يُنتج الذكور، وتثبّط بناء بيوت ملكية لتربية ملكات جديدة. وتفرزها الملكة العذراء خارج الخلية لإثارة الذكور جنسياً، وجذب أكبر عدد منها في أثناء الطيران للحاق بها وتلقيحها، وقد يُسفر عن ذلك أن تتلقح من ( 17 ) ذكراً على مدى يومين. – رائحة جذب الشغالات : تفرزها غدة ( كوشيفنكوف )، تقع في حجرة اللسع، تجذب الشغالات الوصيفات للإلتفاف حول الملكة وتغذيتها والعناية بها ؛ وإرشادها الى النخاريب الخالية المهيأة لوضع البيض. روائح الشغالة : وتفرز غدد الشغالات عدداً من الروائح تؤثر في سلوك الأفراد وفي حياة الطائفة عموماً. ومن هذه الروائح : – رائحة الطائفة : تفرزها غدة ( نازانوف ) الواقعة في أعلى الحلقة البطنية السابعة، تمثل ( الرائحةَ الخاصةَ بالطائفة ) وتختلف اختلافاً يسيراً عن غيرها في الطوائف الأخرى. يرتبط فرزها بالاحتياجات الفيزيولوجية للشغالة، ويبلغ الفرز ذروته عند السروح والتطريد.. توظف الشغالة ( رائحة الطائفة ) في تعرّف الأفراد بعضها الى بعض، وفي تمييز شغالات الطائفة من غيرها من شغالات غريبة، وفي جذب الشغالات المتدربة على الطيران والشغالات الحديثة السروح الى الدخول في الخلية، وتساعد في الوصول الى المصادر الغنية بالغذاء بعد أن تترك النحل المكتشفة جزءاً منها حول المصدر، فضلاً عن تجميع النحل المتناثرة في أثناء عملية التطريد للانضمام الى الطرد والاستقرار في مكان واحدة. – رائحة الإنذار : تفرزها غدد تقع في الفك العلوي وحجرة اللسع. تنبّه أفراد الطائفة على وقوع خطر على الخلية وتجنّدهم للدفاع عنها. تقوم بفرزها شغالات بعمر ثلاثة أسابيع وهي الفترة التي تمارس فيها حراسة الخلية، ثم يقل فرزها مع تقدمها في السن. ويتم الإنذار برفع الشغالة بطنها الى أعلى والكشف عن غددها في نهاية البطن وتحريك أجنحتها الى الخلف ونشر الرائحة في الخلية وما حولها، فتتهيأ الشغالات المقاتلات للسع وتستعد للدفاع عن خليتها. هذه إشارات الى بعض السبل التي وضعها الله تبارك وتعالى، وأعدّ النحلة لتمضي فيها للوصول الى غايات من الرحمة والحكمة، رحمةٍ في تيسير الطعام لأعدادٍ لا تحصى من الأحياء، وحكمةٍ في تأمين شفاء للناس من أنواع من المرض. هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فأَرُونِي مَاذا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ. { لقمان : 11 }
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
لا تشاهد وترحل اترك بصمتك بترك تعليق حول الموضوع ❤
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.